توطئة :
الماجدي ابن ظاهر شاعر إماراتي حفظ لنا التاريخ اسمه وحصيلة ثمينة من أشعاره، فهو يمثّل مرحلة من مراحل سابقة مجهولة التحديد في نشأة الشعر العربي وتطوره، والمطّلع على شعره يراه قمة من حيث خصائص الصياغة اللّغوية وحسن السّبك وعمق المعاني الغنية التي تعكس ثقافة غزيرة واطّلاع واسع ( ).

نشأة الماجدي ابن ظاهر:
من الصعب الوقوف على تفاصيل حياة ابن ظاهر فكل ما تم ذكره إنما هي روايات من أفواه الرّواة العارفين المسنّين من دولة الإمارات العربية المتحدة، حيث اختلفت هذه الروايات حول مولد ابن ظاهر ونشأته فهناك من قال إنه ولد في قرية الذّيد مستندا في ذلك إلى ما جاء في أشعار ابن ظاهر عن هذه المنطقة ووصف نخيلها، وهناك من قال إنّه من مواليد رأس الخيمة وبالتّحديد منطقة السّاعدي( )، مستندين في ذلك إلى أن الشاعر كان ملمًّا بأحداث هذه المنطقة وكثيرا ما كان يتردّد ذكرها في أشعاره وخاصة حادثة المعيريض المفجعة، والرّواية الثاني مرجحة عن الرواية الأولى لسببين: السبب الأول: أن الإنسان إذا تقدمت به السن أصبح كثير الشوق إلى وطنه، وهذا يفسر لنا كثرة تردد اسم تلك المنطقة في شعره وتعرضه لكثير من أحداثها، السبب الثاني: من المعروف أن ابن ظاهر في آخر حياته استقر بالخران ودفن فيها بناء على وصيته ولا يزال قبره معروفا فيها حتى اليوم ( )، حيث قال قبيل وفاته :

ما بين سيح أو ساحلٍ منقادي ******* هناك وين العين طاب منامها ( )

وفي رواية لأحمد بن مصبح بن حمّوده بأن الشاعر ابن ظاهر ولد بالقرب منطقة الخران، ونشأ بها وترعرع على أرضها، وعندما اشتد عوده وأصبح من القادرين على تحمل الأخطار، والضّرب في الأرض أخذ يتنقّل في مدن الإمارات وقراها، وفي آخر عمره استقر في الخران وتوفي فيها ودفن بها، ويذكر لنا الراوي أيضا أن ابن ظاهر قد أجرى بعض التجارب على الأراضي التي أحب أن يدفن فيها بعد موته، وكانت لديه (دريه)( ) يدفنها في التراب حيث حل حولا كاملا ثم يعودوا لنبش ها في نجدها وقد أكلها التراب إلا التي دفنها في الخران وجدها باقية على حالها لم تتغير لذلك أوصى بدفنه فيها( ) ؛ ذلك أن رمال الخران خالية من الحرارة والرطوبة وتحتفظ بالأشياء إذا ما دفنت فيها( ).

يقول في أبيات له يذكر فيها تلك المناطق ( ):
ورويت لَرْض من شرقٍ أو غربْ ******* وأسقت كلّما حازت اعماني
من افيوي الينوب إلى الشمال ******* من الظفره إلى سيْفِة إدهاني
وروي الرمل مع سيح الغريف ******* ووادي المِكِنْ داناه المداني
وأسقت من فلاح إلى الْعذَيْب ******* مجوج الماء ثمانٍ في ثماني

 

تاريخ مولد ابن ظاهر:
من الصعب تحديد تاريخ مولد ووفاة ابن ظاهر؛ “تعتبر ولادته مثار جدل تاريخي بين كتاب الأدب ومؤرخي، ولم يتطرّق النّقاد إلى مسألة توقيت ولادة الماجدي ابن ظاهر “( )، لكن يمكننا أن نحدد الفترة التي عاشها الشاعر، فقد عاصر ابن ظاهر فترة من عهد الدولة اليعربيّة التي قامت في سلطنة عمان سنة 1024 هجري، والدّليل على ذلك أنّ ابن ظاهر قد مدح أحد أئمة هذه الدولة وهو الإمام سيف بن سلطان الملقب بقيد الأرض والذي تولى الإمامة في عام 1104 للهجرة ، يقول في قصيدة يمتدح بها قيد الأرض سيف بن سلطان:
نرعى القُفور إِبِلاً سبور وْلالِنَا ******* دورٍ يدور وهو مَرَدّ الجامها
في ظلّ بو سلطان لي يهين العدا ******* اللّي رقى من العزّ ذروة سنامها
لي بيت رَيْت مجالسٍ مفتوحةٍ ******* وصيانيٍ تركض بها خِدّامها

وللأسف أن هذه القصيدة ضاعت ولم يبق منها إلا هذه الأبيات الثلاثة التي وصلت إلينا مشافهة، فقد اتصل ابن ظاهر بهذا الإمام وامتدحه بعدة قصائد لم نعثر منها إلاّ على أبيات متفرقة من أفواه بعض الحفّاظ المسنين وقد مر بنا ذكرها ( ).
وهناك من استنبط وربط مولده بالأحداث التاريخية التي ذُكرت في قصائده، وتوصل إلى التّأكيد على ولادته في نهاية القرن السابع عشر ومعاصرته للإمام سيف بن سلطان اليعربي في صباه كما عاصر الشّيخ شخبوط بن ذياب آل نهيان (1793-1816م) ( ).

مهنته:
اختلفت الروايات حول المهنة التي امتهنها ابن ظاهر، هناك من ذكر أنّه عمل في مهنة زراعة النخيل وانطلاقا من خبرته في الزراعة ينتقل الشاعر فيتطرق إلى وصف النخيل وصف العارف بأمورها، مما يدل على أن هذه هي مهنته، إذ نراه يسترسل في وصف النخيل فيصف لنا حلاوة الرطب وعذوق النخل الملتفّة بقمصان الخوص( )، … وقيل إنّه امتهن حرفة صيد السّمك واللؤلؤ الذي يستخرج من المياه القريبة من الساحل والتي تسمى ب(القحّهْ) ( ) حيث كان الغواصون يذهبون إليها لصيد اللؤلؤ والسمك معا صباحا ويعودون ظهرا، وكانت لابن ظاهر شاشة( ) في منطقة دهان يستعملها في الكسب على عياله من تلك المهنة المذكورة( ).
وكان من العادة أن تفرض ضريبة على كل سفينة عاملة في البحر بنسب متراوحة حسب حجم السفينة، فلما طولب الشاعر بأداء الضريبة استاء من هذا الطلب وامتنع عن أدائها، وأنشد قائلاً:
مالي في دْهان طْوالْ دُوم ******* ولا في الحَيْل مخضَّرْ الخوافي
وراسْ المالْ شاشِهْ مِنْ يِريد ******* بطبّعها وبَخَلّي الكَرْب غافي
يقصد بأنه رجل فقير لا يملكه سفينة كبيرة في دهان ولا يملك نخيلا خضراء في منطقة الحيل يدُرّان عليه كسبًا ويضطرانه على البقاء فيهما، وإنما كل رأس ماله شاشة صغيرة يسهل عليه أن يغرقها في البحر ويرحل عنها إن رأى ما يغضبه( ).
إنّ المتتبع لأشعار الماجدي لا يقف على شيء من مفردات البحر إلا النّذر اليسير فإذا كان متخصصا في مهنتي الغوص والصيد لابد وأن يذكر لنا أبياتا تدور في فلك البحر، إن أسلوبه الشعري لا يوحي بأنه رجل بحر، فلم تُرْوَ له قصائد مطولة عن حياة البحر، لكن هذا لا ينفي أن حياته كانت رحلة طويلة بين الصحراء والساحل.

التعريف بقبيلته :
” لم نقف لابن ظاهر على اسم واضح كامل سوى ما جاء في أشعاره من ترداد التعبير عن نفسه بالماجدي ابن ظاهر، وظاهر إمّا أن يكون أبا الشاعر أو لقبا اشْتُهر به أو أنّ عادة الناس في تلك الأوقات أنْ ينادوا الإنسان بابن فلان نسبة إلى أبيه، أو بأبي فلان نسبة إلى ابنه البكر كما هو مشاهد بكثرة عند القبائل البدوية، حتى يصبح ذلك علمًا عليه لا يعرف بغيره” ( ).
أمّا المواجد الذين ينتسب إليهم الشاعر في أكثر قصائده ، ففيهم ثلاثُ رواياتٍ:
الأولى للشيخ سلطان بن سالم القاسمي حاكم رأس الخيمة سابقا، ويذهب إلى أن المواجد فرع من المزاريع، ويقول: ممّا يثبت أن المواجد فرع من المزاريع أنّ أمير (إذن) الشيخ محمد بن سلطان الماجدي مزروعي.
والثانية لحمد بن عبد الله العويس؛ فيذهب إلى أن المواجد قبيلة من قبائل بني ياس ومسكنهم منطقة (مِزْيَدْ) القريبة من العين وما يزالون بها إلى الآن.
أمّا الثالثة لأحمد بن مصبح بن حموده ويقول بأن المواجد فرع من المطاريش، وأن كل ماجدي مطروشي ويؤيده في ذلك راشد بن علي بن غليطه القمزي قائلاً: نعم، كل ماجدي مطروشي.
من هنا يتضح لنا أن الماجدي ليس اسما لابن ظاهر وإنما هو نسب لقبيلته التي ينتمي إليها ويعتز بها كعادة الناس في تلك الأزمان، وخاصة البدو منهم في افتخارهم بقبائلهم، وليس بغريب أن يدأب الشاعر على الافتخار بقبيلته ويقدّمها على اسمه في أشعاره مادام ذلك شأن أهل عصره في الفخر بالنسب والقبيلة( ).
وعن اسمه فقد جاء في إحدى قصائده أنّ اسمه (علي)، إذ يقول:
يقول فتى العليا علي بن ظاهر ******* عليه الطلاق إن الفقير ذليل
وذكر بعض الرواة أن اسم ابن ظاهر هو (علي بن ظاهر) وأحيانا يسمونه (الماجدي) أو (شاعر البدو الظاهر علي بن ظاهر)، وهناك من يذهب إلى أن ابن ظاهر من منطقة الظاهرة في الإمارات، وهي التي تقع في القطاع الجنوبي الشرقي من دولة الإمارات، وهذه التسمية إمّا أنها نسبة إلى المنطقة التي كان يعيش فيها أو أنه حسبما يذهب البعض من البدو بأن (ابن ظاهر) هو لقب أطلق على الشاعر الكبير لأنه ظهر على الشعراء وتفوق عليهم وفاقت سمعته أرجاء البلاد( ).

ثقافة ابن ظاهر(المزاوجة في شعره بين الفصيح والنبطيّ):
تحفل قصائد الماجدي بن ظاهر بثروة لغوية غنية من الفصحى، حيث الحِكَم والأمثال التي تقترب بصياغتها السّليقيّة والفطرية من معجم الفصحى، فكثير من الأشعار النّبطية يمكن أن تتحول إلى فصيح بتغيير طفيف فيه، كاستبدال حرف أو أداة أو كلمة واحدة ، مثال على ذلك قول ابن ظاهر:
إلى نام الأنامُ سرى الغمامُ ******* سريع الغيثِ ملتحمُ السّحاب
تصول بها الفحول بكل حول ******* سريع الثّايبات من الشعابي
إذ يمكن في البيت الأول أن يكون فصيحًا بوضع كلمة (إذا) بدلاً من (إلى) وهي تحمل نفس المعنى، إن الشعر النبطي يقترب في جوانب منه من الشعر الفصيح ويكاد يماثله مع فارق بسيط في قواعد الإعراب، أمّا البيت الثاني فهو فصيح بكلّيته ويدل بشكل قاطع على أن الماجدي يوائم بين الفصحى والنّبط دون أن يجد في ذلك ضيرًا( ) .
يعد مستوى الشاعر مرآة صادقة لصورة مجتمعه، وهذا ما وجدناه لدى شاعرنا الماجدي ابن ظاهر إذ يُعبّر مستوى الشاعر عن مدى ما وصل إليه ذلك المجتمع من علمٍ وأدبٍ وثقافةٍ، والمستعرض لأشعار ابن ظاهر يقف مبهورًا أمام ثقافته الواسعة التي مكّنته من تصريفها في أغراضه الشعرية كما يشاء، فتعجب حين تقرأُ له الأمثال المبتكرة، والحكم النادرة، والوصف البديع، والمعاني العميقة، يتوّج ذلك أسلوبٌ رفيعٌ، ولفظٌ جزلٌ بديعٌ، وسبكٌ رصين لا يقل مستواه عن الفصحى، فهو يصدر منه عن فطرةٍ مصقولةٍ بالعلمِ ويؤاتيه عن طبع شحذته التجربة، فإذا أرجعته إلى أصله الفصيح وجدته الشعر السّليقي المتمكّن( )، مثال على ذلك يقول ابن ظاهر مبتدئًا إحدى قصائده:
يقول الفهيم المايدي ابن ظاهر ******* والأمثال تسعفني بنايا قصورها
ولو أنّك أردت أن تَقرأ هذا البيت باللّغة العربيّة الفصحى لأمكنك ذلك دون إخلال بالوزن، فتقول:
يقول الفهيم الماجديّ ابن ظاهرٍ ******* والأمثال تسعفني بناء قصورها
فالقارئ الفطن لشعر ابن ظاهر يراه قمةً في لغته الشعرية وأسلوبه البيانيّ، قريبا جدا من الشّعر العربي، فنجد في قصيدة له بعنوان (تمنّيتها وينْ أَباها وْيَاتْ) أكثر من خمس عشرة بيتًا أقرب إلى الفصيح، يقول( ):
يقول بن ظاهرْ مقالٍ عجيبْ ******* تظاهر عليّهْ من الصّدرْ جيل
كشفت الغِطَاء عن كواكيب عِدّ ******* تِيَارى عيونه خِلَافْ الدّيِيل
إلىَ خمّلوا بالوزن الخِفاف ******* أخمّل قماشي بوزنٍ ثِجيل
نِقَا جَوْهرٍ غالي في المسام ******* بالأثمان كم ظالْ منها الظّويّل
قماشٍ منقّى بقِطْنٍ مْوَقّى ******* وشيٍّ تبقّى قليلْ المثيلْ
من هذا المنطلق نرى أن ابن ظاهر كان على قدر كبير من العلم والثقافة، ولو خلا الشاعر منها لما استطاع أن يأتي بهذه الدّرر الثّمينة التي خلّدها التاريخ على مدى ثلاثة قرون من الزمان، تتداولها ألسنة النّاس أمثالاً وحِكَمًا، فتنقلاته الكثيرة في أرجاء المنطقة رغم صعوبة المواصلات آنذاك مكنته من الاطلاع على ثقافات الآخرين فتأثر بها وتفاعل معها واكتسب بحكم هذه اللقاءات الكثيرة ثقافة وتجارب قيّمة مفيدة في هذه الحياة.
برز ابن ظاهر وقد امتلك زمام الشعر النبطي وتصدر معاصريه بما جادت به قريحته من إبداع شعري غذّته الحياة بفضائل عربية بدوية كان عمادها صفاء نفسه وصدق لهجته وبساطة عيشه، إن الدارس لشعر ابن ظاهر يجده شاعرا مجددا في فنه الشعري، هناك ثلاثة مواضيع تطرق إليها في أبيات شعره:
أولا: مديح بني هلال.
ثانيا: مديح الإمام اليعربي سيف بن سلطان الملقب بقيد الأرض.
ثالثا: ما تطرق إليه في قصيدته الأولى عن الطوفان الهائل الذي أهلك تسعين ألفًا من البشر في منطقة المعيريض في رأس الخيمة( ).

ذكاء ابن ظاهر:
اشتهر الشاعر ابن ظاهر بسرعة البديهة وحدة الذكاء، والقصص على ذلك كثيرة، يُروى أن وفدا من ثلاثة رجال قدِموا إلى ابن ظاهر فاستقبلهم ورحب بهم وبما أنّه لم يكن يعرف شيئًا من أسمائهم فقد سأل الأول: ما اسمك؟ فأجابه: (اللّي على يدك اليمنى)، فرد ابن ظاهر: مرحبا بخاتم، ثم سأل الثاني عن اسمه فأجابه: تمرك العامي، فقال له ابن ظاهر: حيا الله عتيج، ثم سأل الثالث عن اسمه فأجابه خذ من العشرة ثلاثة فقال له أهلا بالسّبع.
ويروى أنا ابن ظاهرة قد عمر طويلاً حتى انحنى ظهره وتقوّس، فالتقى به أحد الشّباب وقال له: بكم هذا القوس؟، يعرّض بانحناء ظهر الشاعر، فأجابه ابن ظاهر على البديهة قائلا: (اصبر بييك القوس بلا ثمن)، أي مهلاً فسيأتيك القوس الذي تسأل عن قيمته بلا ثمن.
كما تتناقل الروايات قصة الضيوف الذين قدموا إلى ابن ظاهر وما كانوا يعرفونه شخصيا، وكان الشاعر وقتها صفر اليدين لا يملك من حطام الدّنيا ما يستطيع به إكرامهم، فوجدوه يضرب بسوطه شجر الغاف ليطعم ناقته، فسلّموا عليه، ثم سألوه عن ابن ظاهر فأشار لهم على خيمة كبيرة من خيام الحي، قائلاً: تلك هي دار ابن ظاهر، فقصدوها ورحّب بهم صاحبها واستضافهم، فلّما جهز الطعام أمر صاحب البيت بدعوة ابن ظاهر ليتناول العشاء معهم، وعندما جاء ابن ظاهر وعرف القوم أنه هو الرجل الذي كتم عنهم اسمه وأشار لهم على دار مضيفهم، فاستغربوا منه هذا الفعل ووجّهوا له المثل :
( كمٍّ صبيٍّ ميضخان الميالس ******* يميل النّبا عنّه ولا هو يميل)
ومعناه أنك خلاف ما سمعناه عنك من ذكر جميل فأجابهم أبى مظاهر بقوله:
يميل عود الموز لي عاد مورج ******* ولي عاد عريانٍ فهل جيفٍ يميل
فوالله ما بي من ملاقاة غلمه ******* لكنّ ما بين اليدَيْن جِليل
ومعناه أن الإنسان يُكْرِمُ إذا كان موسرًا، ولكن ماذا يصنع إذا كان معسرا؟، وقد شبّه ابن ظاهر نفسه في حالة عسرة بشجرة الموز الجرداء التي تساقطت أوراقها فأصبحت عديمة الجدوى خلافًا للشّجرة المورقة التي يستفاد من ظلها ومن ثمرها.
وكان ابن ظاهر خفيف الظل مرحا، يجنح بعض الأحيان إلى مداعبة ضيوفه وأصدقائه ببعض النكت والألغاز، ومن نكته أن ضيوفا قدموا إليه فاستقبلهم، ولمّا قَدَّم لهم الطعام قال:
تيسٍ وديكٍ و عَنْزَتين .. قم يا خاطر اتْعَشّ.. ما معنى أربعتعش.
فلما نظر الضيوف إلى الأكل الذي أمامهم لم يجدوا سوى تيسٍ ليس إلاّ ، فاستغربوا منه ذلك القول وسألوه ما معنى ذلك وليس في الوعاء إلا تيس واحد؟ فضحك الشاعر وقال لهم: ألا تعرفون ما أعني؟ فقالوا لا. قال ابن ظاهر تيس وديك أي تيس سمين، و عنزتين أي وعاء نظيف، أما معنى أربعتعش فهي عدد السماوات والأرض( ).

شعراء عاصروا ابن ظاهر:
عاصر ابن ظاهر شعراء لهم باع طويل كانوا يقطنون في حدود بلاد جلفار، ومن هؤلاء الشاعر (محمد بن صالح المنتقفيّ البصريّ) المعروف به (شاعر الصّير) أي جلفار، الذي ظهر في الزمن الإمام سيف بن سلطان الملقب بـ(قيد الأرض)، وقد حصلنا له على قصيدة عصماء في تحفة الأعيان للسّالمي يمدح فيها سيف بن سلطان وأئمة عُمان، ويذكر معاناته مع بعض أعدائه الذين يكيدون له المكائد، ففي وصفه لسيف بن سلطان، قال :
مخدومنا سيف بن سلطان الإمام ******* اليعربي ابن الجدود السّامية
ذاك الهصور الشهم فراس العدى ******* ذاك الجسور على الأمور العالية( )

ليس له عَقِبٌ سوى بنت واحدة:
لابن ظاهر بنت واحدة كانت تعرف بـ(بنت ابن ظاهر) ( ) كما أعربت هي عن نفسها في قصيدتها الوحيدة التي لم نقف لها على غيرها، وتعتبر هذه القصيدة من غرر ما قرأناه من القصائد في اشتمالها على حكم وأمثال ومخاطبة وأسلوب لا يقلّ عن مستوى ما تحتويه أشعار أبيها من هذه الخصائص ، تقول:
تقول فتاة الحيّ بنت بن ظاهر ******* والأمثال ما كِلّ الفهاما هذوبها
الي سَفَّتْ الشّعراء خوصٍ مضاعف ******* تنقّيت من خوص الخوافي قلوبها
ناسٍ تجادا والجِدا من عيونها ******* وناسٍ تجادا والْجِدا من قلوبها( )