الحقبة البرتغالية

مع مطلع القرن السادس عشر، رسّخت رأس الخيمة من مكانتها بوصفها مركزاً رئيساً للتجارة البحرية في جنوب شرق الجزيرة العربية ولعدّة قرون، كما أنّها واصلت تميزها لتصبح مركزاً لوجستياً واستراتيجياً مهماً، ما أدى إلى ازدياد نفوذها وثروتها، ووَصَف الرّحالة الإيطالي لودوفيكو فارتيما منطقة جلفار في بداية القرن الحالي، بأنها “غنية بكل شيء”، مشيداً أيضاً بـــ “مينائها البحري الجيد”، بعد أن رأى توافد التجار من هرمز والهند إليها.، كما استمتع بالبيئة العالمية لجوهرة القرون الوسطى.

خلال السنوات القليلة الأولى من القرن الجديد، بقيت رأس الخيمة متأثرة بمملكة هرمز التي شهدت فترة من الاضطرابات الداخلية امتدت في الفترة من عام 1498 وحتى عام 1505 للميلاد، وعلى الرغم من التنافس الشديد على العرش، إلاّ أنه في غضون بضع سنوات، مالت كفّة القوى الإقليمية بشكل كبير، ليُكتب بعد ذلك فصلٌ جديدٌ بالكامل من تاريخ رأس الخيمة، فعندما هاجم البرتغاليون هرمز بقيادة أفونسو دي ألبوكيرك عام 1507 للميلاد، كان ذلك إيذاناً ببدء الهيمنة الأوروبية على الخليج العربي، وكان البرتغاليون أول المُؤَيّدين الأوروبيين للسّطوة البحرية وفرض الحماية للهيمنة على النفوذ العربي البحري، وقد أدى وصولهم إلى التأثير بشكل كبير على التجارة الحرة لعدّة قرون.

رسم توضيحي لبحّارة من كتاب كوديكس كاسانتس الذي يضم رسومات برتغالية تعود للقرن السادس عشر تصوّر أشخاصاً وثقافات قابلها البرتغاليون في الهند ومنطقة المحيط الهادي.

فرض البرتغاليون احتكارهم على التجارة لأكثر من 100 عام، فقلبوا ميزان القوى، الأمر الذي أدى إلى تدهور المصالح العربية، حيث قاموا بتحويل المحيط الهندي والخليج العربي إلى مناطق عسكرية؛ ممّا دمر إرثاً تجارياً يعمّه السِّلم على مدى قرون من الزمن بين العالم العربي وشبه القارة الهندية. وفجأة، وبعد الثّراء الذي كان يتمتّع به البحّارة من جلفار وساحل الباطنة نتيجة النّشاط البحري السّلس وجدوا أنفسهم تحت رحمة قوة أجنبية، قوة لا تتورع عن استخدام العنف الشديد لفرض سيطرتها على التجارة الدولية.

وممّا لا شك فيه، كانت التّداعيات على رأس الخيمة كبيرة للغاية؛ فعلى الرغم من أن البرتغاليين لم يُخْضِعوا مملكة هرمز بالكامل حتى عام 1515 للميلاد، إلاّ أنّ سقوطها أجبر جميع المدن والموانئ في الخليج العربي على تقديم الولاء للبرتغاليين، وكان البرتغاليون في الأساس جامعي ضرائب، ومن خلال عملية تحصيل الجمارك في هرمز، حصدوا ثمار التجارة المربحة التي تَمُرّ عبر مضيق هرمز. كما أنشؤوا نظام ترخيص يعرف باسم “كارتاز” الذي رسخ احتكارهم للتّجارة ومكّنهم من جمع الأموال من خلال الضرائب، وكان على الموانئ أيضاً دفع الجزية للبرتغال من خلال هرمز التي كانت أكثر من مجرد تابعة بعد هزيمتها، ومن بين تلك الموانئ نجِدُ ميناء جلفار الذي كان في طور التّنازل عنه لصالح رأس الخيمة رغم وصول البرتغاليين، ويشار إلى أن خريطة البندقية من القرن السّادس تأتي على ذكر رأس الخيمة بدلًا عن جلفار، إذ من المحتمل أن تكون جلفار قد تحوّلت إلى مصطلح جغرافي في ذلك الوقت.

لقد حظيت رأس الخيمة بأهمية بالغة لدى البرتغاليين للأسباب نفسها التي استقطبت أنظار الإمبراطوريات والممالك السابقة، لاسيّما موقعها الجغرافي الاستراتيجي الذي يتيح الوصول إلى مزارع النخيل الخصبة، والذي جعلها أيضاً محطة تجارية مزدهرة لمختلف السّلع والبضائع، بدءاً بالتّوابل ووصولاً إلى اللّآلئ. كما كانت تُزوّد جزيرة هرمز بالسّلع والدّعم اللّوجستي، وحازت شهرة واسعة نظراً لنشاطها البحري وثروتها الكبيرة، وذلك وفقاً لموجز أعدّه المؤرخ البرتغالي جواو دي باروس عن ثروةِ ودَخل مَلك هرمز في عام 1515 للميلاد، حيث بلغت عائدات جلفار 3000 بارداوس (عملة قديمة)، متجاوزة جميع الموانئ، باستثناء ميناء واحد آخر في المملكة كانت تتساوى معه.

مدينة وحصن هرمز في القرن السادس عشر، وفقاً لتصور غاسبر كوريا في كتابه “أساطير الهند” (Lendas da Índia)

ومع ذلك، فإنّ الأدلة على الحضور البرتغالي المباشر في رأس الخيمة محدودة، على الرّغم من وجود أطلسٍ لرسامِ الخرائِطِ لازارو لويس يسجّل سلسلة من القلاع البرتغالية على طولِ ساحلِ شبه جزيرة عمان، بما في ذلك واحدة في جلفار عام 1563 للميلاد. ورغم الإشارات العديدة إليها في كل من الخرائط والمراسلات الرسمية، إلا أنه لا وجود لبقايا أثريّة لهذه القلعة أو أيّة قلاع أخرى تمّ اكتشافها، الشيء الوحيد الذي تركه البرتغاليون وراءَهم هو عدد كبير من الوثائق، بما في ذلك الرسائل الشخصية والرسمية ومذكرات لمختلف المسؤولين البرتغاليين. وتُظْهِر بعضها أهميّة الميناء في ذلك الوقت، بينما يشير البعض الآخر إلى حالة الحرب شبه المستمرة التي كانت سائدة. وفي عام 1525 للميلاد، وردت رسالة إلى حاكم الهند تم الإشارة فيها إلى أن رأس الخيمة كانت ميناء يعادل في ثروته البحرين، بينما يشير سجل الأحداث في عام 1521 إلى تجارة الفلفل. وأفادت رسالة في عام 1546 للميلاد من رافائيل لوبو إلى جواو دي كاسترو – نائب الملك في الهند البرتغالية- بأن العديد من السفن تفضل أن ترسو في ميناء رأس الخيمة دون دفع أية جزية للتّاج البرتغالي، في نفس العام بعث سيباستياو لوبيز لوباتو برسالة إلى دي كاسترو يتحدث فيها عن هجوم قام به بدو بنو جبر وعمليات نهبٍ للميناء. وكانت هناك مراسلات سابقة بين دي كاسترو ووزير هرمز تمّ الإشارة فيها إلى بناء قلعة بني جبر في صُحار، مع إرسال قوات رأس الخيمة والبحرين لتدمير تلك القلعة بقيادة وزير رأس الخيمة رئيس شهاب الدّين

نادراً ما تَدَخّل البرتغاليون في شؤون الخليج الأدنى تاركين الأعمال اليوميّة والإشراف على موانئ جنوب شرق الجزيرة العربية إلى هرمز، غير أنّهم وجدوا أنفسهم مضطرين للتّدخل فقط عندما بدأ التّمرد المفتوح، كما حدث في عام 1521 للميلاد، حيث انطلقت شرارته الأولى من البحرين، قبل أن تَمْتَد إلى صُحار عام 1523 للميلاد ومسقط وقلهات عام 1526 للميلاد، وفي مرحلةٍ ما، انْدلع العُنْف أيضًا في رأس الخيمة، وراح ضحية هذه الأحداث عدد كبير من التّجار البرتغاليين في المدينة، وتم تسجيل أكبر عدد للتّجار المقتولين خارج مضيق هرمز في جلفار، وهذا يشير إلى الأهمية التي يوليها التّجار البرتغاليون لرأس الخيمة.

لم يكن البرتغاليون متورطين مباشرة بما حدث في رأس الخيمة إلاّ بعد استيلاء الإنجليز والفرس على هرمز، وفقدان مدن أخرى مهمّة في عام 1622 للميلاد، فقد تحوّل اهتمامهم إلى شبه جزيرة عُمان بعد تجريدهم من قاعدتهم في الخليج العربي، الأمر الذي أدى إلى جعل مسقط قاعدتهم، حيث قاموا بمهاجمة واحتلال الموانئ على طول الساحل، ووفْقاً للتّقرير الوارد عن مآثر الأدميرال روي فريري دا أندرادا، فقد أبْحرت سفينتان بقيادة فيليب دا فونسيكا وجاسبار بيريرا إلى رأس الخيمة نحو عام 1621 أو 1622 للميلاد بعد ورود تقارير عن تمرّد في كل من رأس الخيمة والرمس، وشَهدت المعركة قتالًا شرسًا لاستعادة المدينة، حيث اسْتَخْدَم السّكان المَحَلِيّون المسجد كحِصْن مؤقت، ثمّ ما لبثَ وأن استعاد البرتغاليون صُحار لاحقاً، تَبِعَتْها دبا وخورفكان في عام 1623 للميلاد.

خلال هذه الفترة من التّمرد ضد الحكم البرتغالي ورد أول سجل مدوّن يذكر القواسم؛ فوفقاً لمصادر برتغالية، استولى زعيم يُعرف باسم “القاسمي” على الحصن في كلباء، وعلى الرغم من استعادة الحصن لاحقاً، إلاّ أنّ المرجع يشير إلى أن القواسم كانوا في ذلك الوقت قوة راسخة بالفعل، وتم ذكر العائلة الحاكمة مرّة أخرى عام 1650 للميلاد، لكن هذه المرة بوصفهم جزءاً من معاهدة السّلام التي عُقدت بين البرتغاليين والعُمانيين (انظر القسم الخاص بالقواسم). وعلى الرغم من أن أصولهم لم تكن مُؤكّدة، إلاّ أنّ ما يمكن تأكيده هو أن القواسم كانوا من بين الشّخصيّات البارزة التي ذكرها البرتغاليون كثيرًا.

استمر الوجود البرتغالي في رأس الخيمة قرابة أحد عشر عاماً، ويجب الإشارة إلى أنّ هناك مخطوطات يعود تاريخها إلى عام 1629 للميلاد تشير إلى بناء قلعة أندرادا. وفي نهاية المطاف أدى ظهور ناصر بن مرشد، أول إمام لسلالة اليعربي في عُمان، إلى نهاية الاحتلال البرتغالي. حيثُ نجح الإمام بتوحيد القبائل العُمانية المتحاربة، وهذا أدى إلى شنّ هجوم على رأس الخيمة والرّمس في عام 1633 للميلاد، والنجاح في الاستيلاء على كلتا المدينتين. ووفقاً لمصادر برتغالية، فقد تمّت تسوية رأس الخيمة بالأرض، ممّا أدى إلى هجمات انتقاميّة للبرتغاليين على طول الساحل الشرقي بما في ذلك السّيب في عُمان حالياً.

ربما تكون خسارة مضيق هرمز قد شكّلت نهاية التّفوق البرتغالي في الخليج، لكنّ الهجمات المنسقة لليعربي وتهافت قواته على المصالح البرتغالية الممتدّة على طول الطّريق إلى ساحل شرق أفريقيا هي من أهم العوامل التي أدّت إلى انهيار القوّة والنّفوذ البُرتغالِيَّيْن حيث استولى اليعربي على صحار عام 1643 للميلاد ومسقط عام 1650 للميلاد. وعلى الرّغم من استمرار البرتغاليين في متابعة مصالحهم بالمنطقة حتى أوائل القرن الثّامن عشر، إلاّ أن وصول القوات البحرية الهولندية والإنجليزية ضيّق الخناق عليهم، وأدّى إلى ظهور قوى جديدة في المنطقة.

الحقبة الهولندية

عندما اشتبك الأسطول الهولندي والإنجليزي المشترك مع البرتغاليين عند مضيق هرمز عام 1625 للميلاد؛ تغيّر ميزان القوى في الخليج العربي مرّة أخرى، وعلى الرغم من أن المعركة لم تكن حاسمة، إلاّ أنّ عصر الهيمنة البحرية البرتغالية وصل إلى نهايته فعليًّا. ومنذ ذلك الوقت، تنافست شركة الهند الشّرقية الهولندية وشركة الهند الشّرقية الإنجليزيّة – وهما شركتان مساهمتان – على النفوذ في الخليج العربي؛ ممّا أدى إلى نشوب صراع بين البلدين وهيمنة الهولنديين على النّشاط البحري بالمنطقة في نهاية المطاف.

لم يأتِ الهولنديون إلى الخليج العربي للسّيطرة على الأراضي، بل جاؤوا بهدف التّجارة، وهم كالبرتغاليين، اعتمدوا على القوة – أو التهديد بها – للحصول على اتفاقيّات تجاريّة مربحة مع مختلف الحكّام، لا سيّما الأسرة الصّفويّة في إيران. وأصدروا تراخيص تجارية بحرية، وفرضوا ضرائب على السّفن العابرة، وسيطروا على أصول تجاريّة واردة للخليج العربي وصادرة منه، وهي عوامل أسهمت مجتمعة بفتح قنوات تواصل لهم مع حكام رأس الخيمة

ورغم استحالة الجزم على وجه اليقين بشأن هويّة أولئك الحكّام في السّنوات الأولى من الهيمنة الهولندية، إلاّ أنّ قوّة وتأثير القواسم ازدادت تدريجياً. وفي مرحلةٍ ما، نمت قوتهم وانتشرت من السّاحل الشّرقي إلى ما يُعرف الآن بدولة الإمارات العربية المتحدة وصولاً إلى رأس الخيمة، وقد وصف الهولنديون أوّل زعيم معروف للإمارة، وهو الشيخ رحمة بن مطر القاسمي بأنّه “أمير جلفار” وأحد أغنى التّجار العرب وأكثرهم نفوذاً في النّصف الأول من القرن الثّامن عشر، كما اعترف نادر شاه -الحاكم القوي لبلاد الفرس- بالقاسمي حاكماً بالوراثة لجلفار عام 1740 للميلاد، ممّا أدّى إلى مطالبته بالاستقلال بعد وفاة شاه عام 1747 للميلاد.

صورة لخريطة هولندية تصور شبه الجزيرة العربية تعود لعام 1707 للميلاد. © مكتبة قطر الوطنية.

يمكن القول إنّه لا يوجد هولندي وطئت قدماه رأس الخيمة خلال السّنوات الأولى من فرض سطوتهم، على الرغم من احتكار شركة الهند الشرقية الهولندية للتجارة، ومن المؤكد أنّه لا يوجد دليل ملموس على وجود هولندي في الإمارة، ولا يوجد أيّ ذكر لأعمال عدائيّة بين الطّرفين، وكما كان الأمر مع نظرائهم البرتغاليين، فقد تركوا هم أيضاً مجموعة كبيرة من المراسلات، ومع ظهور أول ذكر لجلفار في وثيقة هولندية مؤرخة للعام 1634 للميلاد، عرض الهولنديون على السّكان المحليين مساعدتهم في المعركة التي يخوضونها ضد البرتغاليين، وهي الأولى من بين العديد من الوثائق التي تأتي على ذكر نشاطات الغوص والبحث عن اللّؤلؤ ونشأة القواسم وطبيعة المنطقة وشعوب شبه جزيرة عُمان.

وقدم هندريك فان ويجك، مدير شركة الهند الشرقية الهولندية في بندر عباس، صورة تتضمّن بعضاً من أولى المواجهات الهولندية المعروفة مع المنطقة، فقد كتب مستفسراً عن إمكانية الحصول على اللّؤلؤ من صحار أو جلفار، وأرسل لاحقاً تاجرين صغيرين، وهما جاكوب فوغل وأدريان فاندر ويرف، في رحلة استكشافية إلى مسقط عام 1666 للميلاد، وقد كانت هذه الرّحلة جديرة بالإشارة إليها نتيجة وصفها التّاريخي القيّم للخط السّاحلي لشبه جزيرة مسندم، حيث اعتاد التّجار على زيارة خصب ودِبا وخورفكان وكلباء.

وأظهر الهولنديّون أيضاً، اهتماماً باللؤلؤ مثلما فعل البرتغاليّون، ففي عام 1664 للميلاد أشار تقرير من الحاكم الهولندي في باتافيا (جاكرتا في إندونيسيا حالياً) إلى مديري شركة الهند الشرقية الهولندية أبدى فيه اهتمامهم بتجارة اللّؤلؤ في جلفار، وجاء في التّقرير: “تمّ الإقرار أنّ ممثّلينا يرغبون في توسيع تجارتهم، لكن يتعيّن عليهم إرسال اثنين من التّجار أصحاب الخبرة والأذكياء قبل موسم الغوص على اللّؤلؤ في البحرين أو جلفار، حيث تنتشر أعمال الغوص على اللّؤلؤ. ويجب أن تصدر الأوامر ببقائهم فيها حتى نهاية الموسم، بهدف الإشراف شخصيًّا على تجارة اللّؤلؤ فيها”. ولم يكن معروفًا ما إذا تمّت متابعة ذلك، إذ إنّه من الجليّ أن التّدخل الهولندي في رأس الخيمة كان محدوداً.

كان البارون تيدو فريدريك فان نيبهاوزن، وكيل شركة الهند الشرقية الهولندية في جزيرة خرج المصدر الرّئيس للمعلومات المتعلقة بالإمارة، وقد أنشأ الهولنديون مصنعاً في خرج عام 1753 للميلاد واستخدمه نيبهاوزن قاعدةً للسّفر على نطاق واسع في المنطقة؛ لزيارة البحرين والكويت والتّوجّه جنوبًا نحو رأس الخيمة وكان ذلك في 1756 للميلاد. ووصف المدينة بأنها تضم 400 رجل مُسلّح بشكل جيد ونحو ستين سفينة كبيرة كانت قادرة على السّفر حتى المخا في اليم؛ فقد كتب قائلاً: “كانت بلدة كبيرة، محصّنة على الطّراز المحلي، ومجهزة ببعض المعدات الحربية، وتسكنها إحدى قبائل الهولة تُعرف باسم القواسم”. وأشار نيبهاوزن إلى أنّ العديد من الحملات التي قام بها إمام مسقط ضد القواسم باءت بالفشل، مع حصول زعيمهم الشيخ رحمة بن مطر القاسمي على دعم قبائل عدّة من البدو أو العرب من الصّحراء. كما قَدّم نيبهاوزن أيضًا أقدم وصف معروف لمدينة الجزيرة الحمراء السّاحلية التي وصفها بأنّها مدينة تسكنها قبيلة الزّعاب التي تعمل في الغوص على اللّؤلؤ.

آثار لقرية الجزيرة الحمراء برأس الخيمة. © RAKTDA

وبحلول موعد زيارة نيبهاوزن، كانت سطوة الهولنديين آخذة في التّراجع، وفي مطلع خمسينيات القرن الثّامن عشر، فَقَدوا معظم ممتلكاتهم في المحيط الهندي وفي نهاية المطاف أُغلقت مصانعهم في بندر عباس وبوشهر والبصرة بسبب المنافسة المتزايدة من البريطانيين. واستمر الهولنديون في العمل من خرج حتى عام 1766 للميلاد، عندما نجحت المقاومة العربية بقيادة مير مهنّا بإلحاق الهزيمة بهولندا وتحرير الجزيرة، وفي الوقت ذاته كانت قوة القواسم في تنامٍ مستمر.

الحقبة البريطانية

مع بدء اهتمام البريطانيين بشؤون رأس الخيمة، لم يكن حكم القواسم مقتصراً على رأس الخيمة فحسب؛ بل كانوا يحكمون الشّارقة وأجزاء من السّاحل الشّرقي للخليج العربي أيضًا، بما فيها ميناء لنجة ولافت في جزيرة قشم. ومع ذلك، فإنّ رأس الخيمة شكّلت مركز قوّة القواسم، وحكمها الشيخ صقر بن راشد القاسمي منذ عام 1777 للميلاد.

كان حصول القواسم على أملاك مهمّة على جانبي مضيق هرمز يعني بسط نفوذهم على موقع استراتيجي هائل، الأمر الذي مكّنهم من أداء دور محوري في شؤون المنطقة وتحدي عُمان للسّيطرة على البحر، كما حشدوا أسطولاً قويًّا بآلاف الرجال المستعدين للالتحاق بصفوفهم، وكانوا في حال صراع شبه دائم مع منافسيهم الجنوبيين. وشملت مدن حلفاء القواسم الأخرى الجزيرة الحمراء والرّمس والحمرية في الشّارقة الحديثة، فقد كانوا قادرين على حشد آلاف المحاربين وهم في ذروة قوتهم.

وكان من شأن هذه القوّة والنّفوذ الواسع إدخالهم في صراع مع بريطانيا الراغبة بتأمين وصول لها إلى الخليج العربي من أجل تجارتها، والسّيطرة على نشاطات القواسم التي تضمنت تحصيل الرسوم وأعمال (القرصنة) المزعومة، مع تزايد اهتمامها بذلك في أواخر القرن الثّامن عشر وما بعده. وحتى تلك الفترة، يبدو أن البريطانيين الذين افتتحوا أوّل مركز تجاري لهم في الخليج العربي عام 1616 للميلاد، لم يكن لديهم اهتمام يُذكر بجنوب شرق شبه الجزيرة العربية خارج مسقط، كما أن اهتمامهم باللّؤلؤ لم يكن حاضرًا على الرّغم من جذب تجارته للقوى الأوروبية السّابقة وأهميتها الكبيرة للمجتمعات السّاحلية في المنطقة.

نظراً لأنّ سجلات شركة الهند الشّرقية البريطانية هي المرجع المعاصر والوحيد المُفَصِّل للأحداث التي تلت ذلك، فإن الصورة التّاريخية -للأسف – غير مكتملة. وقد شكّك عدد من الكتاب والمؤرخين في اتّهامات القواسم بالقرصنة. كما أنّ قلة المصادر المحلية المعاصرة لا تؤدي إلاّ إلى تفاقم القضيّة. إضافة إلى ذلك هناك العديد من المصادر البريطانية المعاصرة تتضمّن عبارات ومصطلحات لا يمكن وصَفَها سوى بأنّها مَهينَة، بما فيها كتاب دليل الخليج العربي وعُمان ووسط الجزيرة العربية للمؤلف والدبلوماسي البريطاني جون جوردون لوريمر الذي أساء بشكل خاص في ذكره لهذا الموضوع، حيث أشار إلى “الأشرار الذين اعتمدوا القرصنة لكسب عيشهم، وجابوا البحار ونهبوا كل شيء عشوائيًا”. ومع كلّ ذلك، اعتبر البريطانيون القواسم قراصنة، وأن ردهم بغارات متعددة على السّفن البريطانيّة سيكون له عواقب بعيدة المدى، ليس فقط على شعب وسكّان رأس الخيمة ولكن على الدّولة التي ستوجد لاحقًا باسم دولة الإمارات العربية المتحدة.

رسم يصور أسطول شركة الهند الشرقية البريطانية.

من الممكن إرجاع أصول القلق البريطاني إلى عام 1797 للميلاد، عندما تمّت السّيطرة على السّفينتين، باسين وفايبر بعد تعرضهما للهجوم، حيث قام أسطول من المراكب الشّراعية التّابعة للقواسم بالسّيطرة على السّفينة باسين قبل أن يُطلق سراحها لاحقًا. وتعقيباً على هذه الحادثة، كتب القاسمي إلى المقيم البريطاني في البصرة، صموئيل مانيستي، قائلاً: “فيما يتعلق بسفينتكم التي وقعت منذ فترة قصيرة في أيدي سفني المبحرة على شاطئ الخليج، والتي تَشُكّون بأنّنا عمدنا إلى أسرها، اسمحوا لي أن أعلن بضمير، أعوذ بالله أن أفكر في الاستيلاء على سفينتكم”. أمّا بالنّسبة لسفينة فايبر التي عَلِقَت في القتال بين القواسم والعُمانيين، فقد اشتبكت مع عدد من المراكب الشراعية قبالة بوشهر في شهر سبتمبر من العام نفسه. ومرة أخرى، كتب القاسمي إلى مانيستي قائلاً: “ليس لدينا أي خلاف مع الإنجليز، فهم أصدقاؤنا. كما أبلغناك تماماً، أنّنا نُبْدي تجاهكم القدر الذي يروق لكم من الوُدّ، فلا نوَدّ أن نؤذيكم ولا نرغب في أن يقوم الآخرون بذلك. سنقدم لكم كل الخير الممكن، ونجنّبكم أي ضررٍ ممكن”.

صورة لرسائل سياسية واستشارية من وإلى الحكومة البريطانية في بومباي تتحدث عن “هجوم للقواسم على سفن تجارية”. © مكتبة قطر الوطنية.

لم يتم توجيه اتهامات مباشرة بالقرصنة ضد القواسم حتى عام 1804 للميلاد؛ فقد هوجمت سفينتان بريطانيتان هما تريمر وشانون، من قِبَل الشيخ قضيب القاسمي -حاكم لنجة- في شهر ديسمبر من نفس العام، وتلت ذلك مواجهتان مع عدد من سفن القواسم في عام 1805 للميلاد، و ردّ البريطانيون بتوقيع معاهدة سلام بينهم وبين القواسم بقيادة الشّيخ سلطان بن صقر القاسمي عام 1806 للميلاد، وعلى الرّغم من المعاهدة، إلاّ أنّ الهجمات على السّفن البريطانية استمرت وازدادت حدّتها تدريجيًّا في شهر أكتوبر من عام 1808 للميلاد، حيث تعرضت سفينة شراعية بريطانية ذات ثمانية مدافع تدعى “سيلف” لهجوم من قِبَل اثنين من المراكب الشّراعية الكبيرة، ممّا أدى إلى مقتل ثلاثين من أفراد الطّاقم، وفي شهر مايو من العام التالي تم الاستيلاء على سفينة مينيرفا بعد مطاردة استمرت يومين وتم نقلها إلى رأس الخيمة، وقد قُتل أيضاً معظم أفراد طاقمها وأُسِر الباقون قبل أن يتم إطلاق سراحهم، وأسهمت كلتا الحادثتين في تأجيج مشاعر العداء للقواسم.

ردّت بريطانيا على ذلك بهجومٍ عسكريٍّ على رأس الخيمة، وكانت القوّة المتواجدة في منطقة الخليج آنذاك محدودة، لذا تجمّعت قوة استكشافية في بومباي خلال الصّيف وأبحرت إلى مسقط في 17 سبتمبر 1809 للميلاد، حيث تكونت من سفن تابعة للبحرية الملكيّة وشركة الهند الشرقية بقيادة النقيب جون وينرايت، وقد وصلت هذه القوة إلى رأس الخيمة في 11 نوفمبر وبدأت هجومها في اليوم التالي. في البداية، كان القصف غير فعّال، إلاّ أنّ الأضرار لحقت بالعديد من دفاعات البلدة وقُتِل عدد غير معروف من المقاتلين والمدنيين. وعندما توقف القصف، تمت دعوة السكان (على الأرجح بقيادة الشيخ حسن بن علي من الرمس) إلى عقد مجلس طارئ، تقرر خلاله الدفاع عن المدينة وإجلاء أكبر عدد ممكن من النساء والأطفال.

صورة لمطبوعة حجرية تظهر العدوان البريطاني على رأس الخيمة عام 1809.

في الساعات الأولى من اليوم التالي، شنّ البريطانيون هجوماً برّيًا وبحرياًّ، حيث أنزلوا قوة في الشّمال قريبة من المواقع الدّفاعية للميناء بغرض تشتيت انتباههم، وقوة قتالية رئيسة في الجنوب. وبحلول وقت الضحى؛ كانت القوة الأكبر قد وصلت إلى البلدة، حيث اندلع قتال عنيف بين المنازل على مدار السّاعات الثلاث التالية، وأضرمت القوات المتقدمة النّار في العديد من المباني، ودحرت المدافعين عن الميناء، وفي النهاية اقتحموا قصر الحاكم، فقد شنّ المدافعون هجوماً مضادًّا كبيراً أثناء القتال، ولكن رغم ذلك تم الاستيلاء على وسط المدينة عند الساعة الثانية بعد الظهر.

تبقى الأرقام الدّقيقة للضّحايا غير معروفة، لكن قُتل ما يصل إلى 100 رجل من رأس الخيمة خلال الهجوم -وفي اليوم الذي سبقه-، وبحلول الساعة الرابعة مساءً كان البريطانيون قد أضرموا النّار خمسين سفينة -تقريبًا- كانت هذه السّفن راسية في الخور، واستخدموا المتفجرات لهدم أي من التحصينات المتبقية في الميناء، رغم بقاء الأحياء الشّمالية للمدينة في أيدي القواسم. لقد استمر القتال مدة يومين، ولكن وفقاً للوريمر، لم يتم الحصول على أي اعتراف بالهزيمة من العدو الذي أعاد احتلال الشاطئ على الفور مع كل إيماءة تحدٍّ بالانسحاب البريطاني. وبعد ثلاثة أيام تم تدمير عشرين سفينة للقواسم في ميناء لنجة، بينما تعرضت “لافت” لهجوم في 26 نوفمبر، حيث وقعت مقاومةً شرسة واستمرت المزيد من الهجمات المدمّرة حتى شهر يناير عام 1810 للميلاد.

صورة لمطبوعة حجرية تظهر العدوان البريطاني على رأس الخيمة عام 1809 للميلاد.

اعتقد البريطانيّون أن تلك الهجمات أدّت إلى نهاية القواسم، وهذا الاعتقاد خاطئ؛ فعلى الرّغم من الهدوء الذي ساد الأعمال العدائيّة لفترة وجيزة؛ إلاّ أنّه أُعيد بناء رأس الخيمة. وبحلول عام 1815 عادت الضّربات مرّة أخرى بين القواسم والبريطانيين، هذه المرّة كان محور الاهتمام الهند، حيث تم الاستيلاء على ثلاث سفن تجارية هندية من سورات (تحمل تصاريحَ وأعلامًا بريطانية) في شهر ديسمبر 1816 للميلاد. وتنامت مزاعم اتهام القواسم بالقرصنة، وهذا أدّى إلى مناشدات من التّجار الهنود للحصول على المساعدة. ووصلت تلك المساعدة في البداية على شكل هجوم بحري غير فعّال في شهر نوفمبر 1816 للميلاد تحت قيادة الكابتن بريدجز، على متن السفينة إتش إم إس تشالنجر ذات الثمانية عشر مدفعاً، بدعم من الطرادين ميركوري وفيستال قبالة ساحل رأس الخيمة في 27 نوفمبر.

وكان على متن “تشالنجر” المؤلف والرحالة البريطاني جيمس سيلك باكينجهام الذي كتب لاحقاً عن رحلاته ونشرها على نطاق واسع. وحضر أثناء المفاوضات مع الشيخ حسن بن رحمة القاسمي، حيث كتب أقدم الأوصاف المعروفة لأحد قادة القواسم، وأشار إلى أن القاسمي كان يبلغ من العمر 40 عاماً، فكتب: “إحدى عينيه أصيبت، لكن ملامحها الأخرى كانت جيدة، وأسنانه بيضاء ومنتظمة بشكل جميل، وبشرته داكنة جداً، ولحيته خفيفة، ومحصورة بشكل أساسي على ذقنه، كان يرتدي الثياب العربية المعتادة، بعمامة شال من الكشمير، وبشت قرمزي من الطراز الفارسي، لتمييزه عن أتباعه” .

قدّم باكينجهام أيضًا وصفاً للبلدة نفسها بقوله: “ربما يبلغ طولها نصف ميل، من الشمال الشرقي إلى الجنوب الغربي، ويبدو أن عرضها نحو ربع ميل من شاطئ البحر إلى الخور، ويبدو أنه لا يوجد جدار دفاع يحيط بها بالكامل، على الرغم من ظهور أبراج دائرية وأجزاء من الجدران في أماكن عدة ولعلها متصلة بشكل مستقيم، إلاّ أنّه لم يجرِ إصلاحها منذ أن تعرضت للدمار. يبدو أن أقوى نقاط الدّفاع هي الحصن الواقع في الزاوية الشمالية الشرقية والبرج الدائري المزدوج بالقرب من وسط المدينة؛ حيث تم تثبيت المدافع في كل منهما، كما يبدو أنّ كلّ الأبراج الأخرى توفر المأوى فقط للفرسان، وتتكوّن بقية المدينة من مبانٍ عادية شُيّدت من الحجر غير المحفور، وأكواخ من أغصان النباتات والأعشاب الطّويلة، يفصل فيما بينها مسارات ضيّقة متعرجة”.

وتوقّع باكينجهام أنّ عدد السّكان لم يزد على 10 آلاف، منهم نحو 3 آلاف رجل قادرون على حمل السلاح. وعلى الرغم من أن الشيخ إبراهيم -أحد أقرباء القاسمي- كان قائداً للقوة البحرية، إلاّ أنّ القواسم رفضوا الاستسلام، وقصف البريطانيون البلدة وأخفقت معظم قذائفهم إصابة أهدافها وتمّ الانسحاب في النّهاية.

ازداد الوضع سوءًا بشكل تدريجي في السنوات التالية إلى أنْ أَمَر البريطانيون أخيرًا بشن هجومٍ عسكريٍّ على مدينة رأس الخيمة في شهر ديسمبر 1819 للميلاد، وكانت الحملة أكبر وأكثر تنظيماً من أي هجوم على المدينة سابقاً، حيث أدّت الحملة الاستكشافية إلى هزيمة القواسم، والاستيلاء على أسطولهم واحتلال رأس الخيمة.

انطلقت القوة البريطانية من بومباي في 3 نوفمبر 1819 للميلاد، وتضمنت المدمّرات البحرية كلّ من إتش إم إس ليفربول وإتش إم إس إيدن وإتش إم إس كورلو، إضافة إلى أكثر من 3000 جندي تحت قيادة اللّواء ويليام كير غرانت. جرى تجميع القوة الكاملة قبالة رأس الخيمة في صباح يوم 2 ديسمبر، على الرغم من أن الهجوم لم يبدأ إلاّ في وقت مبكر من اليوم التالي عندما وصل جنود كتيبتي 47 و65 إلى مسافة ميلين جنوب المدينة. حيث جلب الجنود المخازن والمعدات إلى الشاطئ، بما في ذلك مدْفَعَا هاوتزر ورشاشان من عيار ست بوصات، ثم حفروا خندقاً فيها. من جهتهم أعدّ القواسم دِفاعاتهم بشكل جيّد، فقد تم بناء حصن حجري في أعقاب الهجوم البريطاني عام 1809 للميلاد، إلى جانب إقامة جدار جديد بالقرب من المدينة، وتم حفر الخنادق أمامه لرماة البنادق. في صباح اليوم الرابع من شهر ديسمبر بدأ الهجوم الذي استمر معظم اليوم قتالاً دامياً، بينما كان البريطانيون يشقّون طريقهم نحو ضواحي المدينة. قاتل القواسم ببسالة كبيرة، ممّا أسفر عن مقتل رائد من الكتيبة 47، ولكن بحلول الغسق، كان البريطانيون على بُعد 400 متر من الحصن.

وشهد اليوم التّالي تركيب مدافع الهاون والبطاريات قبل قصف المدينة من قِبَل كلّ من الأسطول البريطاني والقوات الرّاجلة في 6 ديسمبر، وفي المساء ومع بداية حلول الظّلام ونفاد الذّخيرة، قام القواسم المدافعون بطلعات عدة خارج الحصن لجمع قذائف المدفعية التي لم تنفجر، أو التي استقرت بالقرب من أسوار الحصن، وتحتَ سِتار الظّلام، داهموا بطارية هاون بريطانية ونجحوا في الاستيلاء لفترة وجيزة على مدفع هاوتزر، لكن القصف البريطاني استُؤنف في 7ديسمبر؛ لتتعرض تحصينات البلدة لهجوم كثيف وطويل، حيث دافع القواسم عن الحصن بشكل فعّال محاولين المحافظة عليه؛ ولكن بحلول مساء يوم 8 ديسمبر، كان من الواضح أن الحصن لم يعد من الممكن الاحتفاظ به، وتحت جنح الظّلام، هُجِرَت المدينة واحتل البريطانيون الميناء في اليوم التّالي.

كانت قلعة ضاية آخر نقطة للمقاومة، ففي 18 ديسمبر أنزل البريطانيون قوة في منطقة الرّمس (التي انسحب عنها الشيخ حسن بن علي) وتوجّهت هذه القوّة إلى ضاية عبر المناطق النّائية الخصبة للمدينة، وعلى الرّغم من أن الشّيخ بن علي ورجاله دافعوا عن كل شبر من الأرض أثناء انسحابهم عبر مزارع النخيل، إلاّ أنّه تمّ تطويق الحصن بحلول 21 ديسمبر، حيث أحضر البريطانيون مِدْفَعَيْن من عيار أربعة وعشرين باوند من المدمّرة إتش إم إس ليفربول وفتحوا النار، ممّا أسفر عن استسلام سكان الحصن شريطة الإبقاء على حياتهم.

صورة لمعاهدة السلام البحرية الدائمة لعام 1853. © مكتبة قطر الوطنية.

لقد شكّل تدمير واحتلال رأس الخيمة هزيمة عسكرية للقواسم، ومنذ تلك اللحظة، فرض البريطانيون سلسلة من المعاهدات على حكّام السّاحل المُهادن، بدءاً من معاهدة السّلام العامة لعام 1820 للميلاد، ولم يكن المُوَقِّعون شيوخ رأس الخيمة فقط ؛ بل حكّام أبوظبي وعجمان والشارقة وأم القيوين أيضاً، تبعتهم البحرين في شهر فبراير 1820 للميلاد. لقد أنشأ البريطانيون منصب الوكيل السياسي للخليج الأدنى لإنفاذ المعاهدة التي أعقبها عدد من الاتفاقيات الأخرى، بما في ذلك الهدنة البحرية عام 1835 للميلاد، والهدنة البحرية الدّائمة لعام 1853 للميلاد، وشهدت هذه الأخيرة تنازل حكّام كل دولة رسميًّا عن حقهم في شنّ الحروب البحرية.

ااستمر التّدخل البريطاني في الخليج العربي فترة من الزّمن تقارب 400 عام، بدءًا من الرّحلات الاستكشافية الأولى لشركة الهند الشّرقية الإنجليزية إلى ذروة الإمبراطورية في البلاد في القرن التاسع عشر وانسحابها من الساحل المهادن في عام 1971 للميلاد؛ حيث فرضت بريطانيا سيطرتها على المنطقة بشكل لم يسبق له مثيل من قبل، وضمن مساعيها لتطوير قدراتها التجارية، نجحت بريطانيا بتحقيق تفوق تجاري وسياسي غير مسبوق من عام 1820 فصاعداً، ما أثر بشكل كبير على رأس الخيمة وحياة سكانها.