القواسم

أصول القواسم

وفقاً لرواية أشبه بالأسطورة استقر زعيم يدعى الشيخ قاسم على ساحل رأس الخيمة منذ قرون عدة، بحثاً عن مأوى آمن لقبيلته في الشتاء، وذات يوم لمح تلاًّ قريبة من جبال الحجر. سُرَّ الشيخ قاسم كثيراً بما وجده؛ فنصب هو وأتباعه الخيام، واعتادوا العودة إلى المكان نفسه كل شتاء، وبمرور الوقت انضم إليهم آخرون، حتى نشأت مستوطنة كبيرة تُعرف اليوم باسم رأس الخيمة، هذه بالطّبع خرافة؛ لكنّها متجذرة بعمق في تاريخ القواسم.

مهما كان أصل هذه الحكاية، فهي سابقة للعصر الحديث، حيث ذكر (تشارلز راثبون لو) -الضابط البريطاني في القوات البحرية الهندية- رأس الخيمة في كتابه (أرض الشمس: مخططات السفر مع مذكرات تاريخية وجغرافية لأماكن مهمة في الشرق)، كما ورد ذكرها أيضاً في وثائق أخرى.

وفي تقرير عام 1870 للميلاد لدار النشر البريطانية “هودر وستوكتون” جاء ما يلي: “وفقاً للملازم ويلستيد من البحرية الهندية، يأتي اسم القاسمي مشتقاً من “جوهاسمي” وهو من الأولياء المحمديين، نصب خيمته للمرة الأولى على الرأس البحري الذي أقيم فيه الميناء الرئيس، ومن هنا جاء اسم رأس الخيمة”. المصدر الأصلي لهذه المعلومات هو الملازم جيمس ريموند ويلستيد الذي نُشر كتابه “السفر في الجزيرة العربية” بلندن عام 1838 للميلاد، وقال أيضا: “إن الزعيم عاش في أرض منخفضة، وخيام أتباعه المنتشرة حولها أعطت اسم رأس الخيمة، في إشارة للمنطقة التي أقيمت عليها البلدة التي حملت الاسم ذاته لاحقاً”.

في الواقع أصل القواسم غير معروف بشكل دقيق، تقول إحدى النظريات إن أسلاف القواسم هاجروا من أعماق شبه الجزيرة العربية، ربما بعد انقسام مجموعة قبلية تُعرف باسم نزار. وبالطبع، غالباً ما كان المؤرخون العرب الأوائل يشيرون إلى أحفاد القبائل غير الأزدية في جنوب شرق شبه الجزيرة العربية باسم (آل نزار).

يبدو أن هذا الرأي قد استمر بشكل أو بآخر حتى وصول البريطانيين؛ ففي أوائل القرن التاسع عشر لخص الموظف المدني البريطاني فرانسيس واردن الذي كان يشغل وظيفة السكرتير العام للحكومة في بومباي، أصول القواسم في رسم تاريخي لقبيلة القواسم (الجواسم) العربية من عام 1747 للميلاد، نُشر الرسم التاريخي بعد وفاته عام 1819 للميلاد من قِبَل مطبعة جمعية بومباي التربوية عام 1856 للميلاد، حيث ذكر واردن أن “الجواسم” عرق عربي ينحدر من سكان نجد في المملكة العربية السعودية، ويُسَمّوْن بني ناصر على الجانب الأيسر من الكعبة المشرفة، كما كان يُطلق عليهم أيضاً بني جفري، وقد استحوذوا على إمارة صير في عُمان، وكانوا قبيلة مستقلة منذ العصور القديمة.

أن “الجواسم” عرق عربي ينحدر من سكان نجد في المملكة العربية السعودية، ويُسَمّوْن بني ناصر على الجانب الأيسر من الكعبة المشرفة، كما كان يُطلق عليهم أيضاً بني جفري، وقد استحوذوا على إمارة صير في عُمان، وكانوا قبيلة مستقلة منذ العصور القديمة.

ثمة نظرية بديلة تفيد بأن أصل القواسم يعود إلى عرب الهولة؛ وهم مجموعة من البحارة العرب سكنوا الساحل الشرقي للخليج العربي وذاع صيتهم عبر التاريخ، ولم تعرف الفترة الزمنية التي استقروا فيها هناك للمرة الأولى، فقد تكون هجرتهم حدثت بعد الفتح الإسلامي لبلاد الفرس وهزيمة الإمبراطورية الساسانية في القرن السابع.

عندما كتب -رسام الخرائط والمستكشف الألماني- كارستن نيبور، عن رأس الخيمة في أواخر القرن الثامن عشر، أطلق على شيوخ الصير لقب (قبيلة هولي)، وأشار البارون تيدو فريدريك فان كنيبهاوزن -وكيل شركة الهند الشرقية الهولندية- في جزيرة خرج، إلى أن رأس الخيمة (تسكنها قبيلة من الهولة تدعى قواسم). وذكر حميد بن محمد بن رزيق، مؤلف كتاب (تاريخ أئمة وسيد عُمان) أيضاً “هولة” جلفار، وقام بالمثل ضابط الجيش البريطاني ووكيله السياسي صموئيل باريت مايلز الذي نشر “الخليج.. دوله وقبائله” في عام 1919 للميلاد، حيث أشار مايلز إلى أنه في القرن الثامن عشر تسبب أسلاف قبيلة الهولة في الكثير من المتاعب لنادر شاه.

وعلى الرغم من أن هذا لا يمكن إثباته على وجه اليقين المطلق، إلاّ أنه من المرجح أن يكون القواسم من أصل محلي، إذ يتّضح متى استقر القواسم في رأس الخيمة، لكن أول ذِكْر مسجّل لهم يعود إلى عام 1624 للميلاد، وبحسب مصادر برتغالية فإن الحصن الموجود في كلباء كان يحكمه زعيم قبلي عُرِف باسم القاسمي الذي استولى على القلعة بعد ثورةٍ ضدَّ الحكم البرتغالي قبل عام أو عامين من ذلك التاريخ المسجل. وعلى الرغم من أن (غاسبار لايت) استولى عليها في النهاية بناءً على أوامر الأدميرال روي فريري دا أندرادا، إلاّ أن قوة القواسم وتأثيرهم كان معروفاً جيّداً في ذلك الوقت.

في الواقع، كان من الممكن أن يكون الزعيم القاسمي هو الشيخ قايد بن حمود العدواني القاسمي الذي يُعتقد أنه بنى برج العدواني الأصلي في خورفكان.

Kalba Fort scaled

قلعة كلباء التي أعيد ترميمها، والتي توجد في موقع حصن أصلي استولى عليه البرتغاليون

تم ذكر “القواسم” مرة أخرى في عام 1650 للميلاد، وهذه المرة ضمن معاهدة السلام بين البرتغاليين والعُمانيين -ومع أنها لم تُنفّذ قط-، وقّع الاتفاقية مبعوثون برتغاليون واثنين من الدبلوماسيين العُمانيين، أحدهم كان يُدعى سيف بن علي بن صالح القاسمي، نصّت معاهدة السلام على أن مسقط وخصب فقط ستبقيان في أيدي البرتغاليين، وستخضع بقية القلاع الأخرى على السّاحل للنفوذ العُماني، ولعلّ “الشيخ سيف” كان شيخ إمارة صير(رأس الخيمة)، لكن إثبات ذلك غير ممكن.

هذا، وقد ذُكِر أقدم زعيم معروف لرأس الخيمة وهو الشيخ رحمة بن مطر القاسمي، في الوثائق الهولندية وعُرِف كونه أمير جلفار، وأحد أغنى التجار العرب وأكثرهم نفوذاً، ووفقاً لوثائق هولندية أخرى منفصلة اعترف نادر شاه -الحاكم القوي لبلاد الفرس في الفترة من 1736 ولغاية 1747 للميلاد- بالقاسمي حاكماً بالوراثة لجلفار في عام 1740 للميلاد. كما أشار رزيق أيضاً إلى أمير جلفار رحمة بن مطر الهولي خلال الحرب الأهلية التي اندلعت في عُمان خلال السنوات الأولى من القرن الثامن عشر؛ حيث كتب رزيق أن الأمير أرسل مساعديه لمساعدة محمد بن ناصر، إمام قبيلة بني غفير في وقت ما قبل عام 1728 للميلاد.

بين كل تلك النصوص، نجد اختلافاً في اسم إقليم القواسم؛ فقد أَطْلَق عليها (نيبور) اسم “إمارة الصير” أما (نيبهاوزن) فقد أَطْلَق عليها اسم “صور” أو “زور”. وغالباً ما أشار سكان الساحل الشرقي إليها باسم جلفار في العصور الوسطى، ولكن كان من الواضح أن كلَّ واحدٍ منهم ينتمي إلى منطقة تمتد أكثر بكثير من ميناء رأس الخيمة، وأوضح (نيبور) على وجه الخصوص أن قوة القواسم امتدت من خورفكان على الساحل الشرقي حتى شبه جزيرة مسندم ثم غرباً إلى الشارقة. إضافة إلى ذلك، غطى (مايلز) أيضاً خورفكان في وصفه للقواسم، بينما حكم اتحاد من القبائل أجزاء من ساحل الخليج الشرقي منذ منتصف القرن الثامن عشر، بما في ذلك مدينتي لنجة ولفت في جزيرة قشم.

في عام 1756 للميلاد وصف (نيبهاوزن) رأس الخيمة بشيء من التفصيل وقائدها آنذاك الشيخ راشد بن مطر القاسمي، وكما ذكرنا سابقاً أشار (نيبهاوزن)إلى أن العديد من حملات إمام مسقط ضد القواسم باءت بالفشل، حيث تلقى القاسمي دعم العديد من قبائل البدو، أو عرب الصحراء، وكان تحت إمرته 400 رجل مدجّجين بالأسلحة وأكثر من ستين سفينة.

وفي أواخر القرن الثامن عشر ذكر (رزيق) أيضاً الشيخ صقر بن راشد القاسمي الذي حكم رأس الخيمة في الفترة من 1777 حتى 1803 للميلاد. كما ذكر ذهاب الشيخ جبر بن محمد الجابري إلى (الصير)، حيث جمع عدداً غفيراً من الرجال في جلفار، وكان أميرهم الشيخ صقر بن رحمة الهولي، ومضى بهم إلى الرستاق وحاصروها، ليدبّ الرّعب بين سكانها.

إن بداية نسب القواسم أو مصدر اسمهم غير معروف، والجواب الأكثر وضوحاً على هذا التساؤل هو أن اسم “القواسم” يعود إلى سلفهم (قاسم) -المذكور أعلاه-، وقد كتب (مايلز) في أواخر القرن التاسع عشر وذكر أن اسم القواسم الذين هم فرع من عشيرة الهولة العظيمة، والذين احتلوا الساحل الشرقي للخليج من (جومبرون) -بندر عباس الحالية- إلى رأس (برديستان)، نسبة لاسم الشيخ (قاسم) جدّ الشيخ راشد بن مطر الذي تولى الحكم في ذلك الوقت وأقام في جلفار (رأس الخيمة).

ومع ذلك، فإنّه من المؤكد تاريخياً أن القواسم أصبحوا قوة بحرية في القرن الثامن عشر؛ حيث أَدّوا دوراً عسكريّاً وسياسيّاً بالغ الأهمية في شؤون الخليج العربي، وبدءاً من عام 1744 للميلاد وبعد طرد القوات الفارسية من رأس الخيمة، بدأ القواسم في فرض أنفسهم على نطاق إقليمي؛ ففي عام 1747 للميلاد وبعد اغتيال نادر شاه، أقام الشيخ راشد بن مطر القاسمي تحالفاً مع الملا علي شاه -أميرال الأسطول الفارسي-، الذي مهد الطريق لعقود من الغزو والصراع. هذا التحالف الذي تم تشكيله عن طريق الزّواج، جعل من القواسم من أعتى القوى البحرية في الخليج -كما كتب (واردن) لاحقاً-، حيث قال: “احتفَظَ القواسم بالسّفن المرسلة إليهم من حين لآخر، وبعد أن حصلوا على مبلغ جيد لقاء مساعدتهم، أتاح لهم هذا الأمر فرصة شراء الأسلحة، ثم سرعان ما نجحوا ببسط نفوذهم على قبائلهم، وتمكّنوا من الاستيلاء على عدد من المدن: قشم ولوفت ولنجة وشناص الواقعة على التلال في بلاد الفرس، وامتدت فتوحاتهم إلى كل ممتلكات الملا علي”./span>

لقد شكّل القواسم أقوى اتحاد قَبَلِيّ في المنطقة؛ فعلى الرغم من الصراع العرضي مع عُمان بحلول نهاية القرن الثامن عشر، كانت قوة القواسم لا تُضاهى في البحر، وتم تحقيق كل هذا بفضل ميناء رأس الخيمة الذي مكّنهم من الوصول إلى سوق المدينة المزدهر، وأسطولها من السفن، وقدرتها في الوصول إلى الآلاف من الرجال المدجّجين بالسّلاح./span>

قوات القواسم البحرية

بغض الطّرف عن أصولهم، استمر القواسم في تقاليدهم البحرية التي يعود تاريخها إلى آلاف السنين. ومن تجّار حقبة “أم النار” و”سفن ماجان” إلى مجد القرون الوسطى لجلفار وملّاح القرن الخامس عشر أحمد بن ماجد، كان ساحل رأس الخيمة، ولا يزال وسيبقى محطة حيوية للنشاط البحري، فكل شخص عاش على طول سواحلها، يتمتع بإرث عميق من التجارة وصيد الأسماك والغوص بحثاً عن اللؤلؤ والملاحة البحرية. وقد صوّر أيقونة الشعر الشعبي الماجدي بن ظاهر، بداية القرن السابع عشر، مصاعب البحر وجماله في أشعاره النبطية التي تنبض بالحياة، فبالنسبة له وللكثيرين غيره، كان البحر الذي يغسل شواطئها، وكذلك بيئتها الصحراوية، نبض الحياة فيها.

لوحة فنية تصوّر سفينة تقليدية ترسو بالقرب من ساحل إمارة رأس الخيمة في عام 1809 للميلاد

وبحلول الوقت الذي زار فيه (نيبور) رأس الخيمة في النصف الثاني من القرن الثامن عشر، كان القواسم بالفعل قوة بحرية هائلة، كان (نيبور) الناجي الوحيد من الحملة الدنماركية المشؤومة التي شُنّت على شبه الجزيرة العربية، والتي غادرت (كوبنهاغن) عام 1761 للميلاد، وكَتب كثيراً عن مآثره، بما في ذلك كتابه “وصف الجزيرة العربية” (Beschreibung von Arabien) في عام 1772 للميلاد، وقد نُشرت ترجمة قصيرة باللغة الإنجليزية لعَمَلِه “رحلات في شبه الجزيرة العربية ودول أخرى في الشرق” في (أدنبرة) عام 1792 للميلاد. وتضمن هذا الكتاب وصفاً لإمارة (الصير) التي كانت تمتد من رأس مسندم على طول الساحل الشرقي للخليج. في هذا الوصف أشار (نيبور) إلى أن أمير (الصير) له مكانته بين القوى البحرية في هذه الأجزاء، وأن أسطوله يعد واحداً من أهم الأساطيل في الخليج العربي، ويعمل الكثير من رعاياه في مجال الملاحة البحرية ويديرون تجارة واسعة جداً.

إورغم أن التّجارة شكّلت مصدر قلق رئيس لهم، إلاّ أن القواسم في معظم القرن الثّامن عشر كانوا على صراع مع العُمانيين والفرس وقبائل أخرى سكنت الجزر والسواحل في جنوب غرب بلاد فارس. وتركزت هذه الاشتباكات حول بندر عباس وجزيرة قشم، كما امتد الصراع البحري عبر الخليج السّفلي ومضيق هرمز الذي كان مكلّفاً ومربحاً في الوقت نفسه. وأجرى صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد بن صقر القاسمي، عضو المجلس الأعلى، حاكم الشارقة، بحثاً مستفيضاً عن القواسم والاتهامات البريطانية لهم بالقرصنة، والصراعات على السّلطة التي اجتاحت الخليج العربي في منتصف القرن الثامن عشر. ويمنح بحثه في وثائق مكتب الهند (أرشيف شركة الهند الشرقية وحكومة الهند حتى عام 1947 للميلاد) فكرة عن الصراع الذي كان مُسْتَعِراً خلال تلك الفترة. على سبيل المثال، في شهر يونيو من عام 1760 للميلاد وصل القواسم إلى بندر عباس مع ما يقرب من 800 – 1000 رجل وأسطولٍ مكون من خمسين سفينة. وفي 23 يوليو 1760 للميلاد قاتلوا في صفوف قوات ناصر خان قبالة ساحل لنجة، إلاّ أن خان تعرض للهزيمة، وفي النهاية تراجع. في عام 1761 للميلاد التقى أسطول القواسم المكون من ثلاثين قارباً صغيراً مسلّحاً ومراكب شراعيّة وسفن أخرى مع القوات المشتركة لسلطنة عُمان وبني معن، وألحقوا بهم الهزيمة بالقرب من جزيرة (لاراك).

تعرض القواسم لانتكاسات من حين لآخر، غير أن براعتهم بوصفهم ملاّحين ومحاربين وتجّاراً لم تكن موضع شكّ أبداً، فقد ذكر الكاتب البريطاني (جيمس سيلك باكينجهام) أنّهم: “كانوا مهرةً ومجتهدين في عملهم ومتفانين في شؤونهم أكثر من قبائل السّاحل الأخرى، وكانوا دائماً مفضّلين ويتم التّحدث عنهم باستمرار على أنّهم أفضل الناس في منطقة الخليج بأكمله”. وأشار الملازم (اتش.اتش.وايتلوك) في تقرير عن العرب الذين يسكنون ساحل الخليج العربي بين رأس الخيمة وأبوظبي، والذي كان يُعرف أيضاً بساحل القراصنة، إلى تقاليد الغوص على اللؤلؤ، وكتب: “يغادر معظم الرّجال المدينة، وقد تركوا زوجاتهم وأطفالهم في المنزل تحت رعاية أولئك الأشخاص الذين لم يعد لديهم القدرة على القيام بذلك العمل الشاق”. وذكر تقرير (وايتلوك) الذي نشرته جمعية بومباي الجغرافية في عام 1836 للميلاد عدداً من الأشخاص والقوارب المشاركة في الغوص على اللّؤلؤ برأس الخيمة والشارقة والأقاليم التابعة لهما، وتقديراً وصل العدد إلى 350 سفينة و3150 رجلاً، ويمكن أن يكون أعلى بكثير قبل الهجوم البريطاني على رأس الخيمة عام 1819 للميلاد.

في السنوات الأولى من القرن التاسع عشر، كانت قوة القواسم موضع تقدير من قِبَل العديد من الضبّاط والكتّاب والمسافرين البريطانيين. وفي عام 1816 للميلاد قدّر (باكينجهام) عدد سكان رأس الخيمة بما لا يقل عن 10 آلاف نسمة، 3 آلاف منهم من الرجال القادرين على حمل السلاح، وذكر (باكينجهام) أيضاً أن الأمير إبراهيم -أحد أقارب الشيخ حسن بن رحمة القاسمي- كان عميداً لقواتهم البحرية. من المرجح أنهم امتلكوا حينها نحو ستين قارباً كبيراً تبحر من موانئها، ويعمل في كل منها طاقم يتكون من ثمانين إلى ثلاثمائة رجل. ويمكن احتساب أربعين قارباً أصغر حجماً من بين سفن الدعم الخاصة بهم في موانئ (الشارقة والرّمس) على ساحل الخليج العربي و(شرّاك ولنجة) على الساحل الشرقي من الخليج العربي، و(لوفت) داخل (قشم) تخضع لسلطتهم. وهكذا فإن قواتهم إذا تم حشدها، ستكون ثلاثمائة سفينة على الأقل مجهزة بأربعمائة مدفع ونحو ثمانية آلاف محارب مدجّجين بالأسلحة. كما وصف (باكينجهام) هؤلاء الرجال بأنهم يستخدمون سيوفاً كبيرة على الطّراز النورماندي القديم، ذات شفرات طويلة ومستقيمة وعريضة بمقابض صليبيّة كبيرة، بسيطة للغاية. كما راح يستخدم البعض رماحاً قصيرة بدروع مستديرة من الجلد القوي المزين بمقابض معدنية وأخرى مطليّة بالذهب.

تبعد بضع سنوات، وتحديداً في عام 1819، قضى الكابتن (جورج فورستر سادلر) -من فوج المشاة 47- أحد عشر يوماً بمسقط، في مهمّة لتقصّي الحقائق لصالح حكومة بومباي، وكجزء من مهمّة أوسع بكثير، كان قد رواها لاحقاً في مذكراته عن رحلة عبر شبه الجزيرة العربية من القطيف في الخليج العربي إلى (يامبو) في البحر الأحمر في عام 1819 للميلاد، وقدّم (سادلر) أيضاً تقييماً للقوات الموجودة تحت تصرّف القواسم، وشملت 25 قارباً كبيراً وواحداً وسبعين قارباً صغيراً و3 آلاف رجل في رأس الخيمة والجزيرة الحمراء. واثنا عشر قارباً كبيراً و150 قارباً صغيراً و1280 رجلاً في الشارقة، كذلك 4 قوارب كبيرة و35 قارباً صغيراً وألف رجل في عجمان، فضلاً عن زورق كبير وثلاثين سفينة صغيرة و400 رجل في أم القيوين، إضافة إلى 200 شخص في الرّمس وما يراوح بين 150 إلى 200 رجل في شعم.

وفي عام 1838 للميلاد (وإن كان ذلك نقلاً عن كتابات سابقة) كتب (ويلستيد): “إن القواسم سيُبْحرون من موانئهم في جنوب الساحل الشرقي للخليج العربي في سفن إبحار كبيرة وسريعة تراوح في حجمها بين مائتين إلى أربعمائة طن، ويقدّر أن لديهم منها أكثر من مائة، وتبحر معاً في أساطيل كبيرة، ليبقى ساحل شبه الجزيرة العربية بأكمله، ومدخل البحر الأحمر والشواطئ الشمالية للهند في حال من الترقّب الدّائم”. وقد أشار (ويلستيد) الملازم البحري على متن سفينة المسح “بالينوروس” (Palinurus) في ثلاثينيات القرن التاسع عشر، إلى” أن الشجاعة البالغة كانت بالتّأكيد من صفاتهم؛ فإذا انكسروا في أي معركة فإنّهم لا يستسلمون لمصيرهم ويحاولون مجدداً، وإذا وقعوا أسرى في أيدي الفرس أو الشعوب الأخرى التي تحيط بهم فإنهم لا يستسلمون أبداً على الرغم من تعرضهم للهزيمة في كثير من الأحيان، حتى أنه في إحدى المرات تم اقتحام معاقلهم الرئيسة بنجاح، إلا أنهم لم يُبْدوا أبداً أية علامة ضعف؛ فقد كانوا يتمتعون بطاقة وروح إيجابية عالية؛ وعمدوا إلى بناء أو شراء سفن جديدة، وشيّدوا حصوناً أخرى، وبعد استراحة قصيرة استأنفوا المعارك مرة أخرى”.

ويشير الجزء الأخير من قول (ويلستيد) إلى مزاعم القرصنة التي ابتليت بها القواسم منذ عام 1804 للميلاد، ومنذ ذلك العام، فإن التهديد الملحوظ للأنشطة التجارية البريطانية، والتأثير المتزايد للسعوديين في السياسة الداخلية لرأس الخيمة، وانتشار الوجود البحري للقواسم على سواحل الهند، قاد إلى مواجهة دامية مع البريطانيين، وللأسف غابت المصادر العربية الحديثة عمليّاً، باستثناء المراسلات الدّورية التي كان البريطانيون يتلقّونها من قادة القواسم، ولم يتغير ذلك حتى منتصف القرن التاسع عشر، تلك الفترة التي وصفت بالازدهار والاستقرار بقيادة الشيخ سلطان بن صقر القاسمي.

الصور من اليمين إلى اليسار، الشيخ سالم بن سلطان القاسمي، والشيخ سلطان بن سالم القاسمي والشيخ صقر بن محمد القاسمي.

© المكتب الإعلامي لإمارة رأس الخيمة

شيوخ وحكام رأس الخيمة

الشيخ رحمة بن مطر القاسمي (1722 – 1760 للميلاد)

الشيخ راشد بن مطر القاسمي (1760 – 1777 للميلاد)

الشيخ صقر بن راشد القاسمي (1777 – 1803 للميلاد)

الشيخ سلطان بن صقر القاسمي (1803 – 1808 للميلاد)

الشيخ حسن بن رحمة القاسمي (1814 – 1820 للميلاد)

الشيخ سلطان بن صقر القاسمي (1820 – 1866 للميلاد)

الشيخ خالد بن سلطان القاسمي (1866 – 1867 للميلاد)

الشيخ إبراهيم بن سلطان القاسمي (1866 – مايو 1867 للميلاد)

الشيخ خالد بن سلطان القاسمي (مايو 1867 – أبريل 1868 للميلاد)

الشيخ سالم بن سلطان القاسمي (14 أبريل 1868 – 1869 للميلاد)

الشيخ حميد بن عبدالله القاسمي (1869 – أغسطس 1900 للميلاد)

الشيخ خالد بن أحمد القاسمي (1914 – 1921 للميلاد)

الشيخ سلطان بن سالم القاسمي (19 يوليو 1921 – فبراير 1948 للميلاد)

الشيخ صقر بن محمد القاسمي (فبراير 1948 – 27 أكتوبر 2010 للميلاد)

صاحب السمو الشيخ سعود بن صقر القاسمي (27 أكتوبر 2010 للميلاد حتى اليوم)